Monday, January 28, 2013

اللهم اعتراض

كلا، لم أنس ال "لا".

لقد تأخرت هذه التدوينة أربعة أيام، كنت في كل يوم فيها أتجادل مع نفسي لأقصر الشر، وأقول أن كلامي لن يضيف جديدا، وقد قيل مثله الكثير الكثير. لكن أحداث الأربعاء الماضي ظلت تنق وتنق في رأسي طالبة الحرية من قيدها، فها هي ذا. اخترت أن أسرد الأحداث ثم ألحقها بما استخلصته منها، والحديث يطول، فها أنا أعطيتك قارئي العزيز بعض "معلومات" يمكنك على أساسها أن تكمل القراءة أو أن تنصرف سالما.

الأربعاء 23/1/2013

كنت قد عقدت العزم في الليلة السابقة على أن أتوجه إلى القاهرة للذهاب إلى مقر البعثات لاستكمال بعض الأوراق الخاصة ببعثتي، وعزمت أن أذهب لزيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد ذلك وقضاء بعض الوقت في جنة افتراضية مؤقتة. ورغم أنني لم أتعافى كليا من مضاعفات النزلة الشعبية الحادة وتمزق العضلات الذي نتج عنها والذي قيد حركتي بشكل كبير، إلا أنني اخترت أن أضغط على نفسي وأسافر قبل أن تحل ذكرى الثورة وتضطرب الأمور فلا أتمكن من القيام بتلك الزيارة. ولقد حرصت أول ما حطت قدماي أرض عبود أن أتأكد من آخر موعد لقيام أتوبيس العودة، والذي كان في السابعة مساء.

المشهد الأول: مقر البعثات - مدينة نصر (لم يعد هناك)

والبعثات من المفترض أن مقرها الحديث يقع في مدينة نصر في حي اسمه حي السفارات، وهي رحلة كنت قد اعتدت عليها، ولم أمانع بها ذلك اليوم، لأنني سأكون في النطاق المكاني للمعرض. وصلت إلى مقر البعثات الساعة الحادية عشر صباحا، وتوجهت إلى "مكتب الأمن" في مدخل المقر، فهم عادة ما يسجلون بيانات البطاقة الشخصية قبل السماح لنا بالصعود. أخبرني الموظف بأن مقر البعثات قد عاد وانتقل إلى مجمع التحرير.. وقبل أن أنصرف، وقعت عيناي على ورقة بيضاء صغيرة معلقة على الحائط وراء الموظف مكتوب عليها "إعلان: تم نقل مقر البعثات إلى مجمع التحرير".

المشهد الثاني: معرض القاهرة الدولي للكتاب - مدينة نصر

لم أبك كثيرا على ما دفعته في التاكسي الذي أوصلني من عبود إلى مدينة نصر، فهذه الأشياء تحدث. ولكن كان من المستحيل نفسيا أن أذهب إلى التحرير ثم أعود ثانية إلى مدينة نصر، ولذا فضلت أن آتي لمقر البعثات في يوم آخر لأستكمل الأوراق، وقررت أن أستمتع بباقي اليوم في معرض الكتاب. توكلت على الله وتوجهت للمعرض، وفور أن نزلت من التاكسي وجدت أناسا كثيرين أمام البوابات. صور لي خيالي الساذج أنهم يستجمون قليلا ثم سيعودون إلى الداخل، ولكني عندما اقتربت لأسأل أجابني البعض بأن البوابات مغلقة ولم يتم السماح بدخول الجمهور بعد. لماذا أيها الناس؟ لأن الرئيس بالداخل يفتتح المعرض. "ولم يعلنوا عن موعد تقريبي لفتح المعرض للجمهور؟" وكانت الإجابة "لا". قلت لا بأس؛ ننتظر ساعة إلى أن تنتهي التشريفة. جلست أقرأ بعض الوقت وأتطلع لمن حولي؛ نساء في متوسط العمر بأطفالهم وال"ساندويتشات"، بنات جامعيات، رجال كثيرون بالزي الأفغاني (الجلباب القصير والسروال وربما جاكت أو معطف)، ورجال وشباب عاديون. أكثر ما أثار استغرابي هو الأمهات والأطفال، إذ بدا لي وكأنهم في رحلة، وقلت ما أروع هذا - لو أغفلنا الساندويتشات وبعض المخلفات التي ترتبت عليها - فالأمهات يعلمن أطفالهن زيارة معرض الكتاب منذ سن صغيرة. المهم، صارت الساعة الواحدة ظهرا. حدثت فجأة جلبة، فاستبشر الناس وقالوا قد أذن الله بالفرج، ولكن أحد العساكر على البوابة أخبرهم بأن الأوامر لم تصل بعد بفتح البوابات، وأنها قد تصل في الساعة الثانية، أو لا تصل ولا يتمكن الناس من الدخول اليوم. هنا ضاق صدري، وبدأت أتشاءم من اليوم الذي سيضيع هباء، وراودتني نفسي أن أعود أدراجي بخفي حنين وآتي في يوم آخر. لكنني صبرت وقلت "الساعة الواحدة من الثانية لن تفرق كثيرا". وهكذا جلست أنتظر لساعة أخرى وأنا أقرأ حينا وأتطلع في الخلق من حولي حينا، والذين انهالوا بالشتائم بالطبع على كل من هو مسئول عن تعطيلهم بهذا الشكل. بدأت الناس تتسرب عائدة من حيث أتت وقد اقتربت الثانية وليس من بشائر بالدخول. ثم فجأة بدأ الناس بالاصطفاف في طوابير أمام شباك التذاكر، فقلنا أخيرا. ظل الطابور الطويل واقفا لا يتحرك، فسأل المتأخرون المتقدمين مالكم لا تتحركون؟ فقالوا ليس هناك موظف على الشباك، وإنما جاء سريعا ليخبرنا بأنه قد يُسمح للجمهور بالدخول في الساعة الثالثة، ولذا اصطف الناس طوابير ليحجزوا أدوراهم في هذا الجمع.. وقفت في الطابور أقرأ منذ الثانية، ولكن الوقت مع الوقوف يمر بطيئا قاتلا. ثم بحلول قرب الثالثة جاء موظف الشباك، واستبشر الناس خيرا، ثم أُشيع أن العساكر سيسمحون للناس بالدخول دون حجز تذكرة، فهرع الناس من الطوابير التي كانوا قد وقفوا فيها أكثر من ساعة إلى البوابات، ودخل البعض بالفعل، ثم أُغلقت البوابات وقيل لهم لا بد من الحجز. بالطبع كنت قد تسمرت مكاني لم أتحرك وأنا أشاهد هذه المهزلة، وكتمت غيظي وتقدمت في الطابور الذي أصبح بفعل الهرج والمرج "سلطة". وإذ بجماعة النساء لا تتحرك في حين يحصل الرجال على التذاكر! لماذا؟ لأن الموظف لا يريد أخذ ثمن التذكرة من النساء! واضطرت النساء لإعطاء الرجال النقود ليحجزوا هم التذاكر.. في نهاية المطاف حصلت على التذكرة ووقفت في طابور آخر لأعبر من باب ضيق للتفتيش، ودخلت. أن تدخل بعد الثالثة مساء ثم تتذكر بأن موعد الأتوبيس الأخير في السابعة، وأن هذه ساعة ذروة لا بد فيها من التحرك باكرا، كان أمرا في غاية الإغاظة.. جريت بين دور النشر أحاول أن أقلب فيها علّني أجد معظم مراداتي بسرعة، وفقدت كل إحساس بالاستمتاع بمطالعة المعروض وتقييم جودته والمفاضلة بين الاختيارات، ثم إن كثيرا من العارضين لم يكونوا قد أنهوا تنسيق مساحات عرضهم بعد، ورغم أنني لم أدخل إلا قليلا جدا من دور النشر، إلا أن الشروق على الأقل اهتمت بأن يكون لكل قسم من الكتب شاب عارف بما فيه من الكتب يعرض المساعدة بكل تهذيب كي لا تضيع وقتك بالبحث دون طائل إن كنت تبحث عن كتب بعينها. انتقيت ما تيسر لي من أربع دور كتب، ثم جريت مسرعة إلى الخارج لأبدأ رحلة العودة. كان جل ما قضيته من وقت بالداخل لا يتعدى الساعتين.

المشهد الثالث: عبود

وصلت إلى موقف عبود حوالي الخامسة والنصف، بعد ساعة بالتمام والكمال من استقلال التاكسي. وجدت طوابير من البشر على شباك التذاكر، فوقفت في الطابور، ولكن الموظف بالداخل لا يقطع التذاكر للناس. لماذا؟ لأنه ليس هناك أتوبيسات. ولكني تأكدت أن آخر موعد هو في السابعة، وفي العادة هناك أتوبيس كل نصف ساعة.. يسأل الناس الموظف إذا ما كان هناك أمل بأن تأتي أتوبيسات، فلا يجيبهم بما يبل الريق.تقف الناس صابرة متأملة، ويفقد البعض صبره فيهدد بحرق مقر الحجز، ولكن الآخرين في الطابور ينهرونه ويقولون لقد مللنا من الحرق والاعتراض؛ ليست هذه الإجابة على كل شيء مخروب في هذه البلد.. أتعشم أنا في أن يكون هناك ميكروباصات، ولكن لا يوجد.. يقولون أن الطريق الزراعي مقطوع والذي قطعه ألتراس الأهلي، فقد تصادف أن أعلن النائب العام يومها وجود أدلة جديدة قد تؤجل الحكم في قضية مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من 70 من رابطة مشجعي الأهلي منذ أشهر، وقد غضب أعضاء الرابطة مما اعتبروه مماطلة في القضية، وقطعوا كوبري أكتوبر وخط المترو لنصف ساعة أو ما قارب، وقيل أنهم قطعوا الطريق الزراعي وخط القطارات أيضا. رائع! الناس إذا محجوزة هنا في عبود ولا سبيل للعودة؟ انتظرت حتى حوالى السادسة والنصف، ثم لاح أتوبيس وظن الناس أنه الفرج، فإذ بالسائق يعتذر بأنه يعمل بلا توقف منذ الرابعة صباحا ولا يستطيع أن يفتح عينيه، ولن يخاطر بالركاب.. لم أَلُمْه. اتفقت مع بنتين أن نجرب حظنا في القطار لعلنا نلحق بموعد السابعة والنصف، وانطلقنا تاركين وراءنا أناسا لا يملكون مثل رفاهيتنا في الخيارات. هناك منهم من كان يملك فقط القدر من المال الذي أوصله إلى عبود وتذكرة العودة بالأتوبيس، فماذا تتوقع الحكومة وشركة النقل أنهم فاعلون عندما يفاجَئون بأمر واقع لم يأخذوا له العدة؟

المشهد الرابع: رمسيس والقطار ورحلة العودة

وصلنا إلى محطة رمسيس حوالى الساعة السابعة وعشر دقائق، وجرينا للوقوف على رصيف القطار. راعنا العدد الكبير من الناس المصطفين على رصيف القطار، وبالطبع لم نحجز تذاكر لأنه بالتأكيد لن يكون هناك أماكن شاغرة، فاليوم آخر يوم في الفصل الدراسي الأول، والغد يوم المولد النبوي الشريف، والموعد متأخر. انتظرنا حتى جاء القطار، وركبنا بالتدافع في عربة الدرجة الثانية المكيفة.. ظل الناس يركبون ويركبون ويضغطون أي مساحة فارغة، حتى ضاقت الصدور بالأنفاس وظننت أننا في يوم الحشر ولسنا في عربة للدرجة الثانية المكيفة.. ولم يعد هناك مكان للمزيد حقا، وقد وقفت على قدم واحدة مع إحدى البنتين وتاهت منا الثالثة.. وتَلَوْت الشهادتين، إذ أن منظر العربة - التي كانت الأخيرة - بكل هذا الكم من الناس فيها، كان مبشرا بمأساة ومذكرا بالحادث القريب لقطار المجندين. تحرك القطار متأخرا عن موعده ربع ساعة، وبدأ في السير بطيئا حتى وصل إلى محطة شبرا الخيمة وتوقف كما جرت العادة ليركب المزيد.. بالطبع لم بكن هناك مكان لأي مزيد، ولكن المنتظرين على الرصيف في شبرا لن يفهموا هذا، ومن حقهم أن يركبوا.. لم يفتح لهم الباب، لأن امرأة مقعدة أجلسها أقاربها على الكرسي المتحرك وراء الباب فأحكموا إغلاقه.. وهنا جن جنون من بالخارج فصاروا يدقون بعنف على الباب ومن بالداخل يصرخ بمن بالخارج، وكسر من بالخارج زجاج الباب ليفتحوه، فلم يستطيعوا، ثم جروا ليلتفوا حول القطار ويحاولوا اللحاق به من الاتجاه المخالف، ولكن القطار انطلق، تاركا إياهم يجرون محاولين اللحاق به، يبتلعهم بالتدريج أمام عيني ليل مجهول ليس به أمان. اكتشفت بعد ذلك أن التكدس حدث نتيجة أن موعدين لقطارين سابقين قد تم إلغاؤهما. هكذا، دون إخطار. لم لا وهما قطاران ليس بهما عربات مكيفة.. إنها قطارات البسطاء، ولذا هي لا تهم، وليس من المهم أن يعرفوا بالقرار مسبقا ليرتبوا أمورهم على ذلك. وكيف كانوا سيرتبون أمورهم يا ترى، ولم تكن هناك في تلك الليلة أتوبيسات ولا ميكروباصات كحلول بديلة تعود بهم إلى بلادهم؟
سار القطار حينا ينوء بحمله الثقيل، واستفزني بائع اللعب وبائع الشاي اللذان أصرا على الدخول للعربة والصياح على بضاعتهما مع ما بالعربة من تكدس ليس فيه موضع لقدم، ولكن لم يمض قليل من وقت إلا وتوقف القطار في منطقة مظلمة. مرت خمس دقائق، ثم عشر، ثم ربع الساعة، ثم ثلت الساعة، ثم نصف الساعة، ثم تحرك القطار الهوينا أخيرا. تكرر هذا الموقف مرتين أخريين، وفي كل مرة يبحث الناس عمن يسألونه عن الخطب، وما من مجيب.. وصل القطار في النهاية إلى المحلة الكبرى (منتصف المسافة إلى دمياط تقريبا) حوالى الساعة الحادية عشر مساء، أي أنه استغرق حوالى خمس ساعات بدلا من الساعتين المعتادتين..

كانت تلك الخمس ساعات أول فرصة أتيحت لي طوال اليوم لأفكر فيما يحدث، وكانت الفكرة التي برزت في عقلي ساعتئذ هي "المعلومات والشفافية". لست في حاجة لأن أشير لبنيتنا التحتية المتهالكة، ولا لمنظومة المواصلات المهترئة المهينة، ولا لحالة الفوضى التي باتت أمرا طبيعيا لا يثير الدهشة. كان ما أغاظني حقا هو منظومة حكومية لا ترى أن للمواطن الحق في أن "يعرف":
-- ليس من المهم للطلاب المسافرين من محافظات بعيدة وقريبة أن يعرفوا أن المقر الذي يتعاملون معه لشئون البعثات قد تغير؛ إعلان بسيط على الموقع الإلكتروني لن يتكلف ميزانية ولن يتطلب بنية تحتية بملايين الجنيهات.
-- ليس من المهم لرواد معرض ثقافي يتكرر أياما معدودة كل عام أن يعرفوا أن زيارة السيد الرئيس في أول يوم تستغرق كذا ساعات من وقت المعرض وسيتم الافتتاح للجمهور الساعة كذا. ليس من المهم أن يحددوا على الموقع الإلكتروني أن أول يوم مغلق للجمهور حتى الساعة الثالثة مساء نظرا لزيارة السيد الرئيس. وليس من المهم إذا ما حضر الناس بالفعل أن يُعلن لهم على البوابات بشكل رسمي متحضر أن "يا أيها الناس نعتذر ولكن الافتتاح للجمهور سيكون الساعة كذا".
-- ليس من المهم أن يعرف المسافرون سبب تعطل الطوابير، ولا أن يعلموا ما إذا كانوا سيسافرون في نهاية المطاف أم لا، وربما لا يعلم الموظف نفسه، وبالتأكيد هي سياسة في غاية الحمق أن تترك الناس في وقت السفر يتخبطون في الحيرة ولا توفر لهم معلومات أكيدة لا مماطلة فيها تمكنهم من اتخاذ قرارات مناسبة لضمان عودتهم إلى مدنهم وقراهم سالمين، أو حتى البحث عن وسائل للمبيت.
-- ليس من المهم أن يعرف المسافرون أن قطارين سيتم إلغاؤهما قبل الموعد بوقت كاف. وليس من المهم أن تقيم الحكومة وزنا لراكبي قطارات الدرجة الثانية العادية، بل يمكنها أن تلغي قطاراتهم متى عنّ لها ذلك ودون شرح الأسباب حتى يستوعب الناس ويتفهموا.. ولكن لا يجرؤ أحد على إلغاء القطارات المكيفة وقطارات المستشارين، والتي علمت فيما تجاذبت من حديث مع رواد القطار أنها من القطارات المنضبطة والتي لا يمكن أن يحدث بها تسيب أو بطء في السير. هل بقية المسافرين في عرف الهيئة ليسوا بشرا لهم أشغال وأعمال والتزامات؟!
-- ليس من المهم أن يعرف ركاب القطار سبب توقفه في الطريق فجأة ولمدة طويلة. ليس من المهم أن يُعلَن في السماعات الداخلية للركاب أن القطار سيتوقف الآن نظرا لكذا وكذا ونشكركم لصبركم وتعاونكم.. وهذا أيضا لن يكلف الدولة أموالا طائلة لبنية تحتية.
أما أكثر ما أثار عجبي فهو سائقوا التاكسي الذين ركبت معهم في ذلك اليوم، حيث حرصوا جميعا على سؤالي عما إذا كان لدي خط سير مفضل ليتبعوه، وعندما كنت أجيب بالسلب، كانوا يحرصون قبل كل تغيير في خط السير على أن يخبروني بأن هناك "تغييرا" و"ما هو" هذا التغيير، ولم يفرق معي هذا كثيرا لأني لست خبيرة بطرق القاهرة، ولكنه مع ذلك جعلني في غاية الاطمئنان وأمكنني من استشفاف معالم الطريق بناء على ما كان يقوله السائقون. والأمر الآخر هو أن المصريين اعتادوا الطوابير، وظلوا في الأماكن التي ذهبت إليها (وقبلها في أيام الانتخابات) منتظرين في الطابور بنظام وصبر رغم فقر المعلومات وتخبط الأداء وتعطيل المصالح. ولذا حقدتُ جدا على من أشاع في معرض الكتاب أنه لا تذاكر هناك وأفسد بذلك نظام الطابور وأشاع الفوضى؛ أنت تهز من احترام الناس للنظام، وفي المرة القادمة لن يكونوا متحضرين ولن يقفوا في طابور لأنك أثبتت لهم انعدام جدوى التحضر والنظام وسيادة شعار الفوضى في الأداء، تماما كما تناقص الإقبال على الانتخابات المتكررة لأنك لم تحترم اختياراتهم واخترت إما أن تحجر عليهم أو تستهزيء بهم أو ترمي بقرارهم عرض الحائط. إنها قصة الراعي والذئب التقليدية.

إن الإجراءات التي تحترم حق المصريين في المعرفة والمعلومات تُعَدُّ ممارسة فاحشة في نظر الحكومة، التي تعتبر أنها "تعرف كل شيء"، وأنها "الأب" الكفيل بالتصرف بما فيه المصلحة. هل هي رفاهية أن أتحدث عن الحق في المعلومات عندما يتحدث الآخرون عن الحق في الرغيف والمواصلات؟ ربما، ولكن أجزم بأن الدراسات النفسية ستثبت أن معرفة كم من الوقت ستنتظر حتى تحدث انفراجة في أزمة ما وماهية الإجراءات المتبعة لحلها ستؤهلك نفسيا وعقليا لتقبل حالة الانتظار ومدته حتى وإن طالت، وستقل شحنة الإحباط التي قد تنفجر مع عدم توافر الرؤية والصبر وعدم معرفة منتهى الأمور. أليس هذا ما يقوله الاقتصاديون للحكومة الآن؟ أن تخبر الشعب بالتفاصيل بحيادية وموضوعية وشفافية مع توضيح إجراءات حل الأزمة والمدى الزمني الذي ستستغرقه؟ إن الحكومة تطلب من الشعب التحضر ولا تحترمه هي بإجراءات متحضرة وبسيطة وآدمية، وتطلب من الشعب الصبر ولا تخبره بإجراءات محددة وواضحة لمواجهة المشكلات وحلها حتى يصبح للصبر معنى. يسري الأمر في نظري على مل ما من شأنه أن يمس المواطن البسيط؛ إن أردت أن تقطع طريقا اعتراضا على أمر ما، أعلن عن ذلك وأعلن عن أسبابك، ولن أعترض أنا ولربما أتعاطف أو أعترض معك، ولكني سآخذ احتياطاتي إن كان عندي ظرف طاريء. أنا لن أحجر على حقك في الاعتراض والتضييق على الحكومة كرد فعل على سياساتها (أو انعدام سياساتها..)، ولكن الذي يعبر عن رأيه بقطع طريق أو خط مترو أو خط قطار لمدى غير محدد وغير معلن عنه مسبقا إنما يضر المواطن البسيط ويعطله، ويضيف إلى التعطيل الذي تساهم به الحكومة. إن الحكومة يا عزيزي لا تهتم إن لم نذهب إلى بيوتنا في المساء، ولذا فهي لن تهتم إذا قطعت أنت طريقي. إنها حتى لا تهتم بالصورة التي تعكسها هذه الفوضى على استقرار البلاد لأنها جزء من الفوضى بعشوائية الأداء وعدم توفير المعلومات. لقد كان هناك أجانب زائرون أمام بوابات المعرض، ولم يكونوا يعلمون شيئا مما يحدث، ولم يتواجد أي شخص من المنظمين للمعرض على المداخل كي يتحدث معهم.


ظلت الفتاة التي ركبت معها القطار تردد "اللهم لا اعتراض" كلما توقف القطار أو ازداد الزحام، وكان أمامها سفر أبعد مني. وكلما رددت هي "اللهم لا اعتراض" صرت أنا أقول "اللهم اعتراض!" أعترض على انتهاك كرامتي وحقي في أن أعرف، وأعترض على أداء مشين من هيئات حكومية لا زالت لا تقيم للمواطن البسيط وزنا، وأعترض على فقر الرؤية والأداء، وأعترض على أن تتركني الحكومة في الظلام لا أعلم شيئا مما تدبر ولا أعلم كيف أخطط يومي بشكل فعال لأحصل على إنجاز فعال لأنها لا تريد أن توفر لي معلومات أساسية بطرق غير مكلفة.

اللهم اعتراض.

Template by:
Free Blog Templates